“وكان كل شيء يلبس ثياب الآخر
حتّى أنّ الفزّاعة التي تُطيّر الطيور ليست ثوب أمّي
ومطرة الماء لبست فانيلة أبي الداخليّة
ومانويلة ماتور الماء لبست رجل بنطلون أبي
وعمي الضخم لبس فروة النعجة الضئيلة
وأنا لبست مريول أختي الراحلة
وذهبت به إلى المدرسة”
كرّس رائد وحش مجموعته هذه لتناول موضوعة الموت من زوايا عديدة، في بحثٍ شعريّ يرمي إلى تقديم مقاربة خاصّة للموت، حيث تسأل القصائد: ما الموت فعلًا؟ هل له جسد وملامح وشخصيّة؟ كيف وبماذا يفكر؟ ماذا يريد؟ هل ثمة حقًّا سيناريو مرسوم سلفًا لرحلة الميّت إلى عالم آخر؟ هل يجري ذلك كما قالت به الأساطير أو الأديان؟ أم أنّ هناك قصّة أخرى؟
في المجموعة ست قصائد، أربع منها طوالٌ، إلا أن هذه القصائد كلها تتقاطع في قصصها وشخصيّاتها في القصيدة الأخيرة، التي تلتقي فيها كل الشخصيّات، وتنتهي إليها كل الخطوط الحكائية التي فُتحت على مدار الصفحات.
أشياء كثيرة تتداعى في زمن الحرب، إلا الحبّ، كما لو أنَّ رجاء غانم تعيدُ كتابة حياةٍ ننسى فيها أننا قد نكون قتلى على صفحات الجرائد الأولى. بل تواجه الحرب وأشياءها بأشياء الحبّ على قلّتها وبدافع من الأحمر
يسير بنا الشاعر ياسر خنجر على طريقٍ وعرٍ، لا ينتصف ولا ينتصف فيه شيء، حيث تواجهنا منذ القصائد الأولى تلك التفاصيل التي تئنّ تحت وطأة واقع مرير، كما لو أنّها تنفلت من قبضة حديديّة محكمة، لتصرخ في وجه العالم، ويمنحها الشاعر صوته وإيقاع كلماته التي تمضي كنهر هادئ لا يتوقّف في السير نحو مصائره الشعريّة المتعدّدة.
تكتب الشاعرة أسماء عزايزة، انطلاقًا من معرفة شعريّة وحميمة بقصائدها، مزيج من الصور المكثّفة والمشاهد البصريّة، والاعترافات الخاصّة، والحكايات القديمة، والذكريات والأصدقاء والآباء والأنبياء والمدن المنكوبة وتلك المستحيلة، بين حلم جريء وواقع عنيد، لا تغادرنا الدهشة ونحن نمضي من قصيدة إلى أخرى ونحاول فعلًا أن نصدّق أسماء وهي تضيف أنّ “الطريق إلى الفرح تمرّ حتمًا بجهنّم”.
بحسِّه السّاخر يفتحُ الشاعر حقيبته في وجهِ العالم، غير مبالٍ بأحد، حتّى بنفسه التي يُعرّيها من كلِّ شيء إلا من صدقها في اللحظة الراهنة وسط الخراب. في هذه الحلقة المفرغة بين الوطن الحقيقي، والوطن المحتلّ، بين حياةٍ نعيشها على مضض، وأخرى نَنغمِسُ فيها بلا رجعة.
ادخل بريدك الالكتروني لتصلك منشوراتنا
جميع الحقوق محفوظة لدار ليلى 2022