مبروك الكتاب: محادثة مع مؤلّف كتاب “المتفائل” تمير سوريك

مبروك الكتاب!

محادثة مع مؤلّف كتاب “المتفائل” تمير سوريك

 

أصدر “مدار-المركز الفلسطينيّ للدراسات الإسرائيليّة” قبل أيام كتابًا جديدًا يتناول سيرة الحياة الاجتماعيّة للشاعر والقياديّ الشيوعيّ البارز ورئيس بلدية الناصرة لسنوات طويلة توفيق زيّاد. محرّر “دار ليلى”، إياد برغوثي، تحدّث مع مؤلّف الكتاب عالم الاجتماع اليساريّ تمير سوريك* حول الكتاب، قبل قراءته. إليكم المحادثة.

 

 

مساء الخير تمير، مبروك الكتاب الجديد: “المتفائل-سيرة توفيق زيّاد الاجتماعيّة”…

يبارك فيك..

قبل أن نبدأ، هذه ستكون أوّل مقابلة في الموقع. الموقع بحدّ ذاته جديد. من شهرين تقريبًا. إنّه دكّان كتب إنترنتيّ متخصّص بالأساس بالكتب الجديدة والنقديّة من وعن فلسطين… نحن نراه كمشروع لإتاحة المعرفة ونشر الوعي…

عندما تقول نحن، من تقصد؟

أنا ومنى زوجتي، دار ليلى للنشر والترجمة. على اسم ابنتنا ليلى.

إذًا مبروك لكما أيضًا…

يبارك فيك. أنا سعيد جدًا بهذا الموقع، ومتفائل منه… مثل عنوان كتابك الجديد. على فكرة، أنا لم أقرأ الكتاب بعد. هذه الزاوية في مدوّنة الموقع ستُخصّص للمقابلات قبل قراءة الكتب، مدفوعة بالفضول الحقيقي… أن تكون مثل محادثة شخصيّة عن قصّة الكتاب نفسه وحوله، كي أكون مثل زوّار الموقع الذين لم يقرؤوا الكتاب بعد أيضًا. فلنبدأ…

متى بدأت في الكتاب؟

أنت تعلم أنّ الإشارة إلى نقطة بداية تاريخيّة هي دائمًا موضوع للنقاش. لا توجد بداية ثابتة.

 

سأكون أكثر دقّة، متى قرّرت أن تكتب كتابًا عن توفيق زيّاد؟

حسنًا، في الوقت الذي كنت أعمل فيه على مشروعي وكتابي السابق حول تخليد الذكرى والذاكرة الجماعيّة في أوساط الفلسطينيّين المواطنين في إسرائيل، اطلعت على مواد كثيرة جدًا، وظهرت شخصيّة توفيق زيّاد كلّ مرّة من جديد في العديد من المحطّات التاريخيّة المركزيّة؛ في يوم الأرض طبعًا، وفي انتصار “الجبهة” في الناصرة، ومخيمات العمل التطوعيّ هناك، شخصيّته جذبتني…

ما الذي جذبك بشخصيته تحديدًا؟

لا بدّ أنّها الكاريزما، فهذا ما جذب أيضًا الكثير من الناس إليه أيضًا، وكذلك الطريقة المباشرة التي خاطب بها الناس. لكن أعتقد أنّ هناك شيء آخر أيضًا، هو انتمائي لمجموعة صغيرة من اليهود الإسرائيليّين المتضامنين مع النضال الفلسطينيّ، الذين لا يريدون الفصل ويعترفون بأنّ هناك ظلمًا عميقًا ويسعون لتغييره. بالنسبة لي، قائد مثل توفيق زيّاد، الذي ناضل من أجل الحقوق الفلسطينيّة دون هوادة، كان نضاله مغروزًا في سياق أمميّ عميق ومحتوٍ للنضال الطبقيّ، ومتضامن مع التمييز ضد اليهود الشرقيّين، ونضاله من أجل المساواة الجندريّة…

الباحث تمير سوريك

إذًا، خلال عملك على كتابك السابق، اهتممت بتوفيق زيّاد وقرّرت أن تكتب عنه. في أي سنة كان ذلك؟

في 2014 تحديدًا، كنت في برلين. حينها أردت أن أكتب شيئًا أقل ارتباطًا بالخطاب العلميّ للعلوم الاجتماعيّة، أردت أن أحكي قصّة. وأوصل الرسالة من خلال قصّة. وبما أني لست كاتبًا أدبيًا، فالبيوغرافيا، السيرة، هي نافذة مفتوحة أمامي للقيام بهذه المهمة…

هل تنازلت عن علم الاجتماع في الكتاب؟

لا، لكني اكتفيت بالأمور الجيدة منه. سعيت ألّا أخضع القصّة للنظريات.

فهمت. كيف بدأت العمل على الكتاب؟ نحن نعلم أنّه لم يُكتب ما يكفي عن توفيق زيّاد…

صحيح، لكن هذا غير متعلق بتوفيق زيّاد تحديدًا، فبشكل عام السير الغيريّة، البيوغرافيا، كنوع أدبيّ، غير منتشرة كثيرًا في الإنتاج الفلسطينيّ…

غلاف كتاب “المتفائل”

هناك الكثير من السير الذاتية فلسطينيًا…

 

هناك سير ذاتيّة أكثر، وهي عبارة مذكّرات محرّرة. بشكل عامّ هذا نوع أدبيّ أنجلوساكسوني جدًا، تجده منتشرًا على نطاق واسع في الولايات المتحدة وإنجلترا، لمركزيّة الفرد في هذه الثقافة. من ناحيتي كان هذا الأمر بمثابة تحدٍ حقيقيّ، فعندما تقرأ “الاتحاد”، مثلًا، لكي تفهم دور توفيق زيّاد بشكل شخصيّ لن تجد كثيرًا. إذ لم يكن هناك اهتمام بالأشخاص، خصوصًا بالسنوات التي بحثتها… هناك الحزب، هناك أفكار…

لكن كانت هناك أسماء مسلّط عليها الضوء آنذاك، مثل توفيق طوبي وإميل توما، بنوا “شخصيات”…

 

صحيح، لكن لن تجد تفاصيل وقصص شخصيّة عن الأفراد، ماذا فعلوا… كنت بحاجة للكثير من العمل لإيجاد هذه التفاصيل والقصص…

أي حلول وجدت من أجل ذلك؟ كيف عملت على الكتاب؟

بدأت بالبحث عمّا كُتب حتّى الآن، فوجدت أنّ ذلك يقتصر على شعر توفيق زيّاد نفسه، وقصصه القصيرة، بعض كتب لنقّاد فيها تحليل لقصائده مع مقدّمة تضمّن سيرة مختصرة، وكُتيب أصدرته بلديّة الناصرة بعد وفاته بفترة قصيرة…

“الفارس”؟ أذكره من تلك الفترة، قرأته وأنا فتى…

نعم، كان هذا الكتيب أيضًا المصدر الوحيد تقريبًا لقصص عن طفولته. وهذا محدود أيضًا، لأنّ هناك سياق تاريخيّ معيّن ومصلحة سياسيّة محدّدة لسرد هذه القصص، كما أنّ هناك مسألة بناء الأسطورة.

قرأت أيضًا الكثير من المواد عن السياق الذي نشأ فيه، قرأت عن الناصرة، والحزب الشيوعي، وتاريخ العلمانيّة في فلسطين والمنطقة. وحول فترات أكثر متأخرة من حياته، كانت الصحافة مصدرًا، هناك الاتحاد كما ذكرت، ثمّ اكتشفته الصحافة العبريّة أيضًا. كذلك هناك محاضر اجتماعات الحزب الشيوعيّ منذ نهاية سنوات الستين، والتي أتيحت للجمهور، لحسن حظي، في الفترة التي بدأت أعملها فيها على البحث.

حول هذه الفترة حتى السبعينات والثمانينات، أجريت الكثير من المقابلات مع عائلته، ورفاقه، وخصومه. على فكرة، لم يوافق كلّ الخصوم على إجراء مقابلات للكتاب…

ساعدتني السيدة نائلة زياد، وابنتيه وهيبة وعبور، وكذلك المرحوم أديب أبو رحمون، بسخاء وتفان. كذلك، منحني أخوه، مصباح زيّاد، مصدرًا ممتازًا؛ رسائل توفيق له خلال مكوثه في موسكو والتي فيها تجاربه الشخصيّة التي لم أجدها في أي مصدر آخر. 

ما هو الجانب الملفت أو المفاجئ الذي كشفته لك هذه المصادر؟

لست متأكدًا أنّني سأفاجئ باكتشاف جديد وغريب، لكنّي في بحثي تيّقنت كم كان توفيق زيّاد ماركسيًّا. الكتابة الصهيونيّة عن زيّاد تتعامل مع ماركسيّته كغلاف غير صادق لقومجيّة متطرّفة، وبالمقابل التأريخ الفلسطينيّ همّش هذا الجانب، وتعامل معه كشيء ملحق وغير مهم. واليوم أشعر كما كانت ماركسيته بوصلة أخلاقيّة عميقة حدّدت وجهته. التزامه الواضح بالنضال الوطنيّ الفلسطينيّ كان ضمن إطار أمميّ أوسع.

سميّت الكتاب “المتفائل”، هل هذا استمرار لنقاشه مع إميل حبيبي “المتشائل” حول الاتحاد السوفيتي؟

يمكن أن تقرأه بهذا الشكل. كانت لدى توفيق زيّاد قناعة متفائلة يمكن أن تجد مثيلتها فقط عند من يملكون إيمانًا دينيًا؛ قناعة لا هوادة فيها بأن البشريّة سائرة نحو غد أفضل. بأنّه رغم كلّ المعيقات، تسير الشعوب، وضمن ذلك الشعب الفلسطينيّ، في الاتجاه الصحيح…

 

يعني… حتميّة تاريخيّة؟

 

بشكل واضح، وهذه الحتميّة هي تفاؤل. وهذا مورد سياسيّ.

وهل ساهم الشعر في فهمك له ولسيرته؟

 

أعرف أن باحثي الأدب لا يحبّون التعامل مع النصّ الشعريّ كنصّ بيوغرافيّ، لكنّي على عكسهم، وبما أنّني لست خبيرًا بالنظريات الأدبيّة، تعاملت مع قصائده كأداة لفهم حياته، وقرأتها في مسعى بحثي عن مفاهيمه والتحوّلات التي مرّ بها على مدى الوقت، والأحداث التي شهدها وأثّرت فيه.

صديقتي الباحثة هنيدة غانم، كتبت أنّه داخل الحزب الشيوعيّ كان هناك تمايز بين السياسيّين، المنشغلين بالأمور اليوميّة والقضايا العينيّة والذين لم يكن نضالهم ثوريًا، وفي مقابلهم الشعراء، الذين طرحوا أفقًا ثوريًا معاديًا للاستعمار وله أبعاد مثاليّة. توفيق زيّاد كان مميّزًا في أنّه لم يكن هناك شاعر نجح مثله في السياسة، ولم يكن أيّ سياسيّ قد اشتهر مثله كشاعر. لكن، في كلّ السنوات التي كان فيها عضوًا في الكنيست، لم يكتب أبدًا. بين 1990 و1992 كانت لديه استراحة من الكنيست، ووقتها تدفّق شعره، والكثير من القصائد المعروفة له، في مجموعة “أنا من هذه المدينة”، كُتبت في تلك الفترة…

هل سأله أحد عن هذا مرّة؟ 

نعم، فسّر بذلك بأنّه لم يكن لديه وقت. هو فعلًا كان مشغولًا، لكن برأيي هناك شيء أعمق. هناك حالة ذهنيّة تتطلبها الكتابة الشعريّة الثوريّة تتناقض مع كونه عضو كنيست. لم يقتبس من شعره، مثلًا، في خطاباته في الكنيست، بل كان يأتي بالأرقام، كان عملًا جافًا، وقد فصل بين العالمين. باستثناء لحظة تاريخية معيّنة، التقى فيها تفاؤله مع تحمّسه للعمل، وذلك في بداية مسيرة أوسلو، حيث آمن أنّ هناك تحوّلًا ما يحدث، فاقتبس من ترجمة لقصيدة له وقرأها بالعبريّة من على منصّة الكنيست…

قد يكون تفاؤله قد منعه من رؤية الإشكاليات التي تبيّن وجودها في أوسلو

لا يمكن القول إنّه لم يرَ المشاكل، لقد تحدّث وكتب عن الصعوبات والإخفاقات لكنّه آمن أنّ هناك قوّة للعدالة والمصالحة ستدفع الأمور لمكان أفضل، ووصفها كصخرة كبيرة تتدحرّج عن جبل ولا يوجد من يمكنه وقفها. لقد قال إنّ هذه الاتفاقيات لا تتطرّق للاجئين، ولا ترسم الحدود ولا تلزم بدولة فلسطينيّة، ولا تنهي مسألة القدس… لقد انتقد الحكومة الإسرائيليّة، خصوصًا بعد مجزرة الحرم الإبراهيميّ، على المماطلة وعدم حلّ القضايا الحقيقيّة. بعد فترة قليلة، رحل توفيق زيّاد كما تعلم فجأة.

أذكر ذلك جيدًا. كانت صدمة. 

أعود للكتاب. لقد صدر في الإنجليزيّة عام 2020 عن دار نشر جامعة ستانفورد، هل فكّرت بترجمته للعربيّة منذ البداية؟

 

طبعًا، من قبل أن أنهيه. لقد أبقيت حقوق الترجمة للعربيّة معي ضمن عقد الكتاب مع ستانفود، وأعطيتها مباشرة للسيدة نائلة زيّاد، وقلت لها: إنّها لك فافعلي بها ما شئت. العائلة هي التي اختارت أ.د. باسيليوس بواردي لترجمة الكتاب، وبعد ذلك تواصلنا وكنت ضمن مسار الترجمة، وشاركته بما يهمّني، وأوضحت أهمية أن تكون لديه حرية بالترجمة لإيصال الرسالة. عندما كتبت بالإنجليزيّة تخيّلت جمهورًا معيّنا، الجمهور المثقّف في الولايات المتحدّة مثلًا، ولم أتخيّل الجمهور المثقّف في العالم العربيّ، وطلبت من باسيليوس أن يتخيله عند الترجمة، حيث قد لا يكون هذا الجمهور عارفًا بكلّ تفاصيل واقع الفلسطينيّين في إسرائيل. وهكذا، كان يترجّم وكنت أراجع معه الترجمة.

لا شكّ أنّه جهد كبير. متشوّق لقراءة الكتاب… شكرًا على وقتك

بكلّ سرور.

*تمير سوريك هو عالم اجتماع ومؤرّخ يدرّس في جامعة ولاية بنسلفانيا. يبحث الثقافة كميدان للنزاع والمقاومة، وتسلّط أبحاثه الضوء على الدور السياسيّ للرياضة والشعر والذاكرة الجماعيّة، فضلًا عن التوترات حول حدود المجالين الدينيّ والعلمانيّ. صدر له كتاب “كرة القدم العربيّة في دولة يهوديّة” (جامعة كامبردج، 2007)، وكتاب “ذاكرة الفلسطينيّين في إسرائيل: التقويم والأنصاب التذكاريّة والشهداء” (جامعة ستانفورد، 2015). سوريك محرّر مشارك لمجلة Palestine/Israel Review العلميّة الجديدة التي ستصدر عن مطبعة جامعة ولاية بنسلفانيا.

سلة المشتريات

المجموع:  290.00

عرض السلةاكمال الشراء

Skip to content